قصة تعاونيّة مستوحاة من إخضاع المواقع الإلكترونية لقانون المطبوعات والنشر الاردني - الجزء الثاني


قصّة تعاونيّة قصيرة

 

وصل كائن من الفضاء إلى عمّان في يوم شتاء بارد في الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر في شهر كانون ثاني عام   ٢٠١٥   ووجد الشمس غائبة والمقاهي قاحلة تطنّ فيها شاشات التلفزيون والمكتبات تلعب بين جدرانها الرياح وتتطاير فيها بقايا الكتب المحترقة والشوارع كئيبة ليست بها أشجار ولم يرى أيّ أثر لمنتزه أو ملعب فسأل أوّل امرأة رآها، وإن كان يبدو عليها الخوف، "أنا غريب وأبحث عن مكان أبعث منه رسالة إلكترونيّة لعائلتي، هل يمكـ ..." لم يكمل السؤال حيث صرخت المرأة عاليا قبل أن تسقط مغشيّا عليها.

 

أعاد الكائن رواية ما حدث مفسّرا لمجموعة صغيرة من الناس في غرفة صغيرة معتمة حول المرأة وهي ترتاح في سريرها. تكتك أحدهم وضحك آخر وهمس ثالث للفراغ "شو وين مفكر حالك بسورية ولا السعودية."

في الواقع صديقنا الكائن يأتي من مكان بعيد ولا يعرف أن الأرض مقسمة لبلدان ولا يعرف هو معنى الحدود والوطنيّة والجنسيّة، يختلف كوكبه عن الأرض يأشياء اساسيّة وتباعا بالكثير من التفاصيل فليس في كوكبه مفاهيم الجنس الأسمى أو أدوار محددة بالجندر أو تقنين الحريّة وبالتالي يصعب عليه فهم ما يقوله البشر أو الأمور التي يشيرون إليها ولكنه فضولي وعقله متفتح فسأل بدهشة "ماذا تعني؟" فأجابه أحدهم: "قبل خمسة أعوام كانت عمّان قد بدأت تعج بالأفكار المبتكرة والمشاريع الرائدة إلى أن...." وساد صمت في الغرفة بسبب دموع الآدمي.

نظر حوله مستغربا، ولم يفهم ما قصد الرجل ولكن صديقنا يريد أن يعرف المزيد ولا يخجل من السؤال فقال بكلمات يدفعها الفضول "هذا رائع، إلى أن ماذا؟ هل صار عندكم حرب أو أمراض أو إنهيار كامل للإقتصاد؟ ماذا حصل بعد ذلك؟"

فقاطعته المرأة قائلة: "لا لا، ما حدث قبل خمسة أعوام أن..." ترددت فتطوّعت امرأة من الجالسين بصوت يشوبه الأسى "كلامنا أصبح محكوماً فتوقفنا عن الكلام والإتصال مع بعضنا البعض."

ساد الصمت فسعل أحدهم وحك الثاني منخره وامرأة قامت تتأكد من أن النافذة مغلقة تماما وتابعت

"طول عمرها الحرية كانت على كف عفريت بس الإنترنت اعطتنا شوية مساحة وكان يا دوب الحكي مبلش حتى في يوم يا ريته ما كان وصار اللي صار المحكمة قالت انه حتى الحكي على الانترنت من ملك الحكومة والناس شوي شوي سكتت. وضعت المرأة رأسها بين يديها وتنهدت وعيونها بالسماء أكملت: وبس يسكت الحكي بتسكت الفكرة وبس تسكت الفكرة بموت العقل ومن يومها..." 

قاطعها أحدهم وقال: "هناك العلبة السحرية التي من الممكن ان تنقذنا، يجب علينا اولا اتباع ما يلي"

أوّلا ...

لم يكمل ولاحظ الكائن الخوف في عيون الجالسين وشعر بأنهم ينتظرون منه كلاما ولكنه مشوش تماما ولا يعرف بما يجيب. بدت المرأة خائفة، وحانقة في نفس الوقت، وأخذت تتلفت حولها وكأنها تريد التأكد من أن أحدهم لا يسترق السمع... أو النظر إليها! قبل أن تكمل حديثها... تغيّر الضوء في الغرفة وقام البعض يرقص وضحك بعضهم واستغرب البعض الآخر.. وشعر الكائن بوجوب تفسير نفسه بعض الشئ فقال: أنا في الحقيقة لا أعرف على أي بقعة من الكرة الأرضية.. تعطل جهاز التوجيه لدي، فلم أحدد وجهتي."

استجمعت المرأة الخائفة قواها واقتربت منه، وقالت له: لا عليك سأساعدك..

امسكته من يده وانسحبت من  مجموعة الناس المتجمعة والفضول والاستغراب يتحليان في أعينهم. فتحت الباب وأخذت به نحو العتمة وظلت نظرات الناس تلاحقهمها حتى اختفيا في طريق صغير ...

نزعت المرأة معطفها ومنديلها الذي كانت تلفه حول رقبتها ونظارتها الشمسية والبستهمها للكائن الفضائي...

لم يسأل ذلك الكائن الفضائي أي شي ....نفذ  أوامر المرأة باستسلام تام.

التصقت به وهما يسيران وهمست له متابعة حديثها الأصلي: "إلى أن أصدرت جميع الحكومات الأرضية أمرا بمصادرة جميع الحواسيب وعدم التداول بها، ووضع قوانين تعسفية ضد إنتهاك حرمات هذه الحكومات."

فوقف الكائن الفضائي مذهولاً من سخف المبدأ.

لم يستطيع فهم كيف تم الغدر بمستقبل واعد فسأل المرأة ولكنها لم تنطق، كانت خائفه من أنها ستكون الضحية القادمة لأن الكلام الذي ينم عن فكر لم يعد مسموحاً.
بعدين لوهلة مرء ضو بسرعة وموجة دفا، صاحت المرة الششششششششششمسسسس وركضت وراها مسرعة كإنها بدها تلحق شوي من أشعتها، بس الشمس راحت بسرعة، وقفت تركض، كانت بتلهت زي الكلب. ووقف الكل بمكانه بيتفرج وهدوء غريب طاغي على الشوارع المعتمة.

و قبل ان يكمل كلامه، سمع صوت غريب و بعدها تعالت الصرخات، ولكن الاغرب انها كانت اصوات لبالغين فقط.. اين الاطفال؟؟؟ اتوجد مدينه بلا اطفال؟ ثم انبعث ضوء قوي صاحبه صوت موسيقى تبعث شعورا بالنعاس.

وقف الكائن الفضائي يفكر لنفسه, كم من الوقت اخذت رحلته من كوكبه الى هذه المدينة؟ 5 سنوات؟

هل معقول كم تتغير مفاهيم الحرية في 5 سنوات؟ 

... كانت عمّان تعج بالأفكار إلى أن سكت الناس مستمعين بدبلوماسية إلى قانون المطبوعات، الذي يستند على منع التعبير والتفكير، يطبق على مدونات ومواقع الإنترنت. وكالعادة لم تحتاج الحكومة لعمل الكثير لتمنع الناس من الكتابة، فنحن مدربون بشكل جيد لطفص أفكارنا قبل أن تشكل و متودون على لوم الآخرين والإحتلال الخارجي لمشاكلنا الإجتماعية، متجاهلين تماما قوى الإحتلال الداخلية ودورنا الأساسي نحن كأفراد في التغيير.

أما الكائن بات يفكّر بحديث الجماعة متسائلا داخليا: ألم يقرأ هذا الشعب يوما كتاب أورويل 1984؟ أو يسمعوا أخبار الدنيا؟ لربما يستاهل هذا الشعب الكسلان الطفص ولا يجب أن أحزن عليه كثيرا.

*ملاحظة: أكتب ما أكتب الآن تحفزا لليوم الذي سأقمع نفسي وأمنعها من الكتابة و اليوم القريب الذي سيكون ما أكتب مراقبا بشكل يهدد بالسجن والنفي. أكتبوا!