الفن المعاصر طعم مُكتسب


الكافيار والبامية والكزبرة والفن المعاصر طعم مُكتسب. لا بد من أخذ أكثر من لقمة من البيوض السوداء اللزجة الزنخة الصغيرة هذه قبل حدوث استطعام إيجابي لها وذلك لأنّ الدماغ يتعرّف إليها طعما جديدا ويجب أن يحلله من خلال المرور بطعمات مخزنة مسبقا ومن ثم تصبح لها كينونتها الخاصة ويقرر الدماغ رأيه بها منفصلا عن أيّ مقاربة ويعشقها أو يكرهها مثل أيّ طعم غريب. إن كان صبورا فضوليا ومغامرا بعض الشئ فيتأمّلها مليّا، يقلّب الحبوب على اللسان ويمضع ويتذوّق ويحلل ويتمزمز ويدفع بصاحبه لبعض من  القراءة عن فوائد الكافيار ومصادره وأنواعه، ولا يزال الدماغ حرا أن يقرر مشاعره تجاه هذه التجربة وإن كان سيكررها أو يجرّب نوعا جديدا منها أو يقلع عنها تماما.

أما بالنسبة للفن المعاصر أي هذه المشاريع أو الإنتاجات أو الوقائع التي تتمثل بتركيبات تستعمل الفراغ والتجارب الشخصية والفيديو أو العروض الأدائيّة التي تستعمل الجسد أو أعمال الصوت التي توظّف أصواتا ناتجة عن أدوات إلكترونية أو توثيقات لأصوات يوميّة وغيرها فهو قطعا طعم مُكتسب ويبدو أن الجمهور المحلي في الأردن لا يزال يقلّب باللقمة الأولى ويقرر إن كان سيبلعها أو ....

أشعر أو أرى أن الكثيرين ممن يحضرون أو يشاهدون معارض وأعمال فنية معاصرة يشعرون بعدم الراحة أمامها والسبب وراء ذلك في الغالب هو شعور بعدم الفهم والغربة عنها. في الواقع هذه الغربة في الغالب سببها هو اعتياد العين والدماغ على الأعمال الحداثيّة من لوحات تصويريّة وأعمال نحتيّة تجريديّة في أغلبها.

فيما يلي بعض الأفكار التي قد تقرّب الفن المعاصر أو تضعه رسميّا (نسبيّا) على طاولة النقاش:
1.    المفهوم/الجماليات. يعتمد الفن المعاصر على المفهوم أكثر من اعتماده على الجماليّات. اللوحة التجريدية الحداثيّة تعبير غير مفاهيمي لشعور أو موضوع يرغب الفنان أو الفنانة بالتعبير عنه ولكنه لا يقصد بالضرورة أن يوصل رسالة إلى المشاهد. يقف المشاهد أمام لوحة ويقد يشعر بأنها حلوة أو بشعة. أمّا العمل المعاصر فيعتمد على فهم المشاهد أو تفاعله مع الموضوع أو الشعور حيث تتناول الأعمال المعاصرة العديد من الموضوعات الاجتماعية والسياسيّة والجنسيّة وقد تعتمد الوثيقة أو التاريخ الشخصي أو التجربة الخاصة.
2.    القواعد. تختلف قواعد وأسس تقييم العمل المعاصر عن غيره. في حين يمكن تقييم اللوحة اعتمادا على القواعد الكلاسيكيّة من اتزان وإيقاع وبلاغة وغيرها في الخطوط والمساحات اللونية والمقدمة والخلفيّة وكذلك في مهارة الفنان ذاتها فإن العمل المعاصر يقيّم أساسا على المفهوم والفكرة والتنفيذ والإثارة والتجديد وتتغير القواعد ولا يمكن تقييمه خارجا عن السياق.  
3.    مش فاهم. في حين من المستحيل تقريبا أو يعرف المشاهد قصد الفنان في رسمه للوحة تجريديّة ما وبالتالي تقييم اللوحة بعيد عن التقييم العقلاني فإن العمل المعاصر يستدعي في كثير من الأحيان استجابة عقلانية أو عاطفيّة معقدة من المشاهد  وبالتالي قد تكون هذه مسؤولية كبيرة يختصرها المشاهد بافتراضه عدم الفهم.  بالحقيقة العمل المعاصر هو المفهوم، بس بدها القضيّة أن يتوقّع المشاهد من ذاته القدرة على الفهم، أن يدخل على العمل بتجاربه ورؤياه، فالعمل مختلف في ذلك عن التجريدي الذي جعل الفنان وعمله في جهة والعالم من خلف الزجاج يتلقّى فحسب.
4.    الأدوات. التكنولوجيا والأدوات والمساحات والعروض المستعملة لخلق أو المشاركة بعمل فني معاصر ما هي وسائل وليست تعبيرا بحد ذاتها. هناك موضوعات أو مشاعر تحتاج في لإيصاله أو تصويرها الوسائل أوالأدوات المعاصرة وتدعو بشكل أكبر لتفاعل ومشاركة الجمهور والمشاهد وعكس تجاربهم الشخصيّة على العمل وتترك مجالا للتفسيرات والتأويلات المتعددة وكأنّها في الأساس أكثر ديمقراطية من العمل الحداثي المعتاد والتجريدي.
5.    امتلاك العمل الفني. يمكن تقييم لوحة أو عمل نحتي إن كانت تناسب لون الفرش في غرفة الجلوس وبالتالي احتمال أن تكون مفيدة وارد في المقابل امتلاك عمل لحظي مثل الأداء أو عمل عام أمر مستحيل وبالتالي احتمال أن يكون غير مفيد وليس له مردود مادي ولا يمكن استثماره وبلا طعمة وارد جدا.

مثل العمل الحداثي في وقته حيث تعرّض للكثير من الضغوطات واضطر أن يفسر ويثبت ذاته في وقت ما وكل ما في الأمر أننا تعوّدنا على "خرابيش الجاج" والآن نحن أمام تجربة جديدة واقتراحي في الأساس أن نعطيها فرصة والتغيير صعب ولكن مثير.

وللحديث بقيّة.

ديالا خصاونه
فنانة بصريّة، الخ

 

ملاحظة: العمل المعاصر الذي شرّف إلى الأردن حديثا هو وليد عالمي تجاوز الأربعين عمرا. لمزيد من المعلومات يمكن قراءة الكثير من الكتب والمقالات والوثائق والمراجع الخ، ومبدئيّا للاطلاع على أعمال محليّة وعالميّة لها علاقة بالمشهد المحلي يمكن الاطلاع على موقع مكان هذا والصلات الإلكترونيّة التالية

http://www.daratalfunun.org
http://universes-in-universe.org/ara/nafas/
http://www.bidoun.com/
http://www.yatfund.org/yatftypo3/httpdocs/index.php?id=1